الغيرة عند الأطفال Jealousy in children، بعد انتظار تسعة أشهر، رزقني الله بمولودٍ جديد، وأصبح لابنتي (ماريا) ذات الخمسة أعوام أخ صغير. لقد أرهقني التفكير كثيرًا في نفسية طفلتي، وكيف تستقبل فكرة وجود مخلوق صغير معها.
فبعدما كانت متربعة على عرش قلوب جميع أفراد العائلة، جاء من يقاسمها ويزاحمها في الحب والاهتمام؛ لهذا خشيت عليها أن تصيبها مشاعر الغيرة.
في هذه السطور المقبلة، سنتعرف على أسباب الغيرة عند الأطفال ومظاهرها، وكيفية علاجها.
مفهوم الغيرة عند الأطفال
الغيرة عند الأطفال هي حالة انفعالية، ممزوجة بحب التملك والشعور بالقلق والغضب، وتصيب الطفل عند شعوره بأن لديه الحق بامتياز معين ثم يفقده كله أو يفقد جزء منه.
ليحصل عليه شخص آخر، ويجد عائقًا ما وقف أمام تحقيق غاياته.
تتمثل الآثار السلبية للغيرة في العدوانية والعزلة والأنانية، وتظهر على كل طفل من حينٍ لآخر، ولا تشكل أي أزمة إذا عالجناها بشكل عقلاني سليم.
تظهر الغيرة عند الأطفال من المولود الجديد في شكل أسلوب تعويضي مصطنع، كأن يظهر الطفل فرحته العارمة وحبه تجاه المولود.
ولكن يخفي بداخله مشاعره الحقيقية تجاهه، و ينتهز أي فرصة لإيذائه بنوعٍ من الضرب كالقرص أو العض.
متى تبدأ الغيرة؟
تبدأ الغيرة عند الأطفال عندما يرى الطفل طفلًا آخر في كنف أمه، فيشعر أن لديه منافس يسحب البساط من تحت قدميه، ويسلب منه الاهتمامات والامتيازات.
ويرى البعض أن أمر الغيرة يبدأ مبكرًا للغاية، حين ينزعج الطفل الذي لم يبلغ عامه الأول بعد؛ نتيجة انشغال الأم في بعض الأوقات بالمهام اليومية.
ويتولد داخل الطفل الشعور بالقلق والخوف الطبيعي ويتطور شيئًا فشيئًا.
ويتأثر الصغار في عمر ٣ إلى ٤ سنوات أكثر من غيرهم؛ لأنهم يتصفون بالأنانية وحب التملك، وتعد الغيرة في هذا السن شيئًا طبيعيًّا.
وعندما يبلغ الطفل سن العاشرة، يختلف أسلوبه في التعبير عن الغيرة، ولا يبوح بما يكمن بداخله؛ لذا قد تؤدي مشاعره الدفينة إلى تصرفات غير متوقعة.
تشير دراسة علمية حديثة إلى أن نقص المشاعر الإيجابية في فترة الطفولة يمكن أن يؤدي إلى تطوير الغيرة المزمنة. كما يؤكد الباحثون في هذه الدراسة أن الغيرة هي سلوك يمكن اكتسابه وأحيانًا يكون له عوامل وراثية.
بحسب دراسة أخرى، تبين أن الغيرة تعتبر العامل المشترك في العديد من الصعوبات النفسية التي يواجهها الأطفال. ويتعلق الأمر هنا بالغيرة المرضية وليس الغيرة الطبيعية. يمكن أن تكون الغيرة في بعض الأحيان مدمرة للطفل وتسبب العديد من المشاكل النفسية.
هناك عدة عوامل تسهم في شعور الأطفال بالغيرة، وقد لا تكون واضحة لك. من بين هذه العوامل الهامة والملحوظة هي التي سنذكرها في الفقرات التالية.
“اقرأي أيضًا: الثقة بالنفس عند الأطفال“
أسباب الغيرة عند الأطفال
من أسباب الغيرة عند الأطفال هي التربية الخاطئة، وإليك أهم الأسباب التي تؤجج مشاعر الغيرة عند الأطفال:
- الإحباط المتكرر: عندما يشعر الطفل بالنقص، وتمر عليه مواقف محبطة.
مثل: الإعاقة الجسدية Physical disability، أو ضعف حالته المادية، أو فشله المتكرر، أو التعنيف الشديد والتوبيخ المستمر من الأهل. فيفقد ثقته بنفسه وتشتعل نار الغيرة بداخله.
- السيطرة الزائدة وتسلط الآباء: يرتكب الآباء خطأً تربويًا جسيمًا في حق أبنائهم، عند فرض اللوائح والقوانين الصارمة.
فتجعل الطفل يشعر بالنقص وأنه أقل جدارة من أصدقائه وأقرانه، ومن ثَم يصبح طفلًا غيورًا.
- التدليل الزائد: عندما يعتاد الطفل على التدليل المفرط، وأن ينال كل ما يريد دون شرط أو قيد، وأن يصل إلى ما يبغاه دون مراعاةة لمشاعر وحقوق الآخرين.
فسيشعر وكأنه إمبراطور صغير له الأمر والنهي، وبالتالي سيكون شديد الأنانية ومحبًّا لذاته.
- المقارنة مع الآخرين: غير العادلة من أسوأ أخطاء التربية، إذ يعتقد الأهل أن هذه المنافسات والمقارنات عامل محفز للطفل.
فيقارن الوالدان أطفالهم ببعضهم البعض أو بأصدقائهم، ويؤجج هذا نار الغيرة بينهم، وقد تكون ممزوجة بالحقد والكراهية.
- الحماية المفرطة: تنتج الحماية المبالغ فيها طفلًا جبانًا وخجولًا.
وعند رؤيته لطفل آخر واثق من نفسه وله علاقات اجتماعية؛ يزداد ضيقه ويشعر بالغيرة والنقص.
- المفاضلة بين الأبناء: تفضل بعض الأسر الأبناء الذكور على الإناث، والبعض الآخر يفضل الصغير على الكبير، فيشعر الطفل بالتجاهل عمدًا، وتشتعل نار الغيرة بداخله.
- الغيرة من المولود الجديد: يشعر الطفل الأول في البداية أن كل شيء مسخر له فقط كاهتمام الوالدين وحبهما له.
وعند انصراف اهتمام والديه عنه ولو بشكل جزئي إلى طفل آخر؛ فيشعر بالنقص وقد يعمد لإيذاء أخيه كي يستأثر باهتمامك.
“اقرأي أيضًا: تربية الأطفال“
مظاهر الغيرة عند الأطفال
أشار الباحثون أن القليل من الغيرة يعد سلوكًا طبيعيًّا عند أي طفل.
ولكن إذا وصلت إلى الحد الأقصى، وتحولت إلى سلوك عدواني وأنانية زائدة عن الحد، فتعد سلوكًا غير مرغوب فيه، ويجب الحد منه.
يتبع الطفل الغيور عدة مظاهر سلوكية يمكن ملاحظتها بسهولة، وإليك عزيزتي بعض الأمثلة لملاحظة الغيرة عند الأطفال:
- إثارة الفوضى والمشاغبة باستمرار.
- يتعمد الطفل إغضاب الوالدين، ويتمرد.
- تظهر عليه بعض التصرفات العدوانية تجاه من حوله.
- يلجأ الطفل إلى البكاء والصراخ والتظاهر بالمرض؛ لكي يحاول جذب الانتباه إليه.
- يرفض المشاركة مع من حوله.
- يتصنع الحب الزائد للمولود الجديد، وفي داخله مشاعر الغيرة الدفينة، ويقوم بمظاهر عدوانية تجاه المولود.
- يطرأ على الطفل السلوك الانسحابي؛ فيتجه الطفل إلى العزلة والصمت، ويرفض تناول الأطعمة المعتادة فجأة.
- تظهر بعض الأعراض النفسية على الطفل، مثل: التبول اللا إرادي، والبكاء الهستيري، وقضم الأظافر.
- تأخذ الغيرة منحنى خطيرًا عندما يتقدم عمر الطفل (بعد العاشرة)، فيتجه الطفل إلى التحريض والإيقاع بالآخرين، ويبدأ بأفعال التجسس والوشاية.
علاج الغيرة عند الأطفال
الأهل هم المُسبب الرئيسي لحالة الغيرة عند الأطفال، ونجد أن الكثير منهم هم من يغذون هذا الشعور داخله.
يتطلب علاج الغيرة عند الأطفال التحلي بالصبر، ويمكن للأهل اتباع تقنيات معينة تساعدهم في التعامل مع غيرة الطفل والسيطرة عليها، والتي منها:
- تعزيز ثقة الطفل بنفسه: يجب على الآباء مدح الطفل وإظهار محاسنه باستمرار، وتعزيز نقاط القوة لديه وذكر إيجابياته، وتشجيعه على النجاح.
- تجنب العقاب والقسوة: ينبغي على الوالدين تفهم عاطفة الغيرة عند أطفالهم، ومنحهم الحب والتفاهم والاهتمام
وتقديم دليلًا على المحبة بدلًا من العقاب والصراخ في وجوههم. - الإنصات: تحدثي إلى طفلك دائمًا، وبثِّي بداخله روح الطمأنينة، واستمعي إليه، واسمحي له بالتعبير عن رأيه؛ حتى تعرفين أسباب غيرته وتعالجيه منها.
- تعزيز السلوك التعاوني: من أبسط الطرق التي تقوِّم الطفل الغيور، وذلك عن طريق إدماج الطفل في جماعات نشاط وفرق رياضية.
- الابتعاد عن المقارنات: ينبغي على الوالدين إظهار الحب لكل الأبناء دون التفريق بينهم.
كما يجب أن يتوقف الآباء عن المقارنات غير المجدية، فهي لا تساعد الطفل ولا تحفزه.
بل تجلب نتائج غير محمودة العواقب؛ فهي تجعل الطفل يشعر بالاستياء وتثير الغيرة عند الأطفال دائمًا.
- إشراك الطفل في رعاية المولود الجديد: دعي طفلك يساعدك في أمور العناية بالمولود، وأثني عليه وعززي شعور المسؤولية لديه، ولا تجعليه يشعر بأن هذا الطفل الصغير قد أخذ حبك واهتمامك.
- الامتناع عن التدليل المفرط: يجب على الأبوين أن يشعِروا الطفل بأن رغباته ومتطلباته قد لا تتحقق بشكل فوري.
فيجب أن ينشأ الطفل على مبدأ الأخذ والعطاء، وأن يدرك الطفل أن رغبات الآخرين يجب أن تؤخذ في الحسبان.
- إظهار العواطف للطفل: يحتاج الطفل باستمرار إلى مشاعر الدفء والحب والحنان، وأن يشعر بالأمان والانتماء لعائلته.
لذا يجب على الوالدين تقديم العطف والحب والرعاية الكاملة، وذلك بالتزامن مع تقويم سلوكه نحو الطريق الصحيح.
- تعزيز السلوك الصحيح: يجب أن يتعود الطفل منذ الصغر على تجنب الفردية والأنانية، وأن له حقوق وعليه واجبات، وتشجيع الطفل على أن يعبر عن انفعالاته بشكل متزن.
“اقرأي أيضًا: علاج التهتهة عند الأطفال“
ما هو السبب الشائع للغيرة في الطفولة المبكرة؟
قد يكون سلوك الوالدين هو سبب الغيرة عند الأطفال في الطفولة المبكرة.
على سبيل المثال، غالبًا ما يتوق الأطفال لإثارة إعجابهم والسعي للحصول على مزيد من الاهتمام من والديهم. فيمكن أن يصاب الطفل بالغيرة تدريجيًا إذا كان الوالدان يهتمان دائمًا بطفل واحد أكثر من غيره.
نستخلص مما سبق أن الغيرة تعد ظاهرة شائعة بين الأطفال، وتتراوح درجة تعبيرهم عن الغيرة ومدى تأثيرها على سلوكهم وعواطفهم من طفل إلى آخر. هناك عدة نقاط مهمة تم اكتشافها في الدراسات حول الغيرة عند الأطفال والتي تتضمن:
- الغيرة عند الأطفال مرتبطة بتطورهم العاطفي والاجتماعي
- يمكن أن تؤثر العوامل البيئية والثقافية على مستوى الغيرة لدى الأطفال. فبعض الثقافات قد تشجع التعبير المفتوح عن الغيرة، في حين أن ثقافات أخرى قد تشجع على قمعها.
- يعتبر الدعم العاطفي والتوجيه الذي يتلقاه الطفل من أفراد العائلة عاملاً هامًا في تطور الغيرة لديه. حيث أن هناك أطفال يعانون من انقطاع الروابط العاطفية أو التوترات العائلية.
- إذا كان الطفل يشهد تصرفات غيرة من قبل البالغين أو الأقران، فقد يتأثر بتلك النماذج ويظهر سلوكًا مشابهًا.
مع ذلك، يجب أن نلاحظ أن الغيرة عند الأطفال ليست حالة ثابتة أو محددة بشكل قطعي، بل تتفاوت تجربتها وتعبيرها من طفل لآخر.
وأخيرًا.
الغيرة عند الأطفال، تعد الغيـرة ظاهرة طبيعية من ظواهر النمو، ولكن أسلوب التعامل الخاطئ مع هذه الظاهرة قد يؤثر سلبًا على شخصية الطفل. لذا فالتربية السليمة الناضجة تصنع شخصًا متزنًا نفسياً، يستطيع مواجهة الحياة بكل ثبات.